تنوعت أساليب الكذابين والوضاعين في الدَّسِّ على سُنة رسول الله ح، وتقويله ما لم يقله، واجتهد جهابذة المحدثين في الكشف عن أولئك الكَذَبَة، وهتك أستارهم، وبيان عوارهم.
ومما كان يفعله أولئك المتهمون أنهم يسرقون الحديث – الذي هو أشد من سرقة المال – فينسبونه لأنفسهم زوراً وبهتانا.
تعريف سرقة الحديث: أن يروي أحد الرواة حديثاً عن شيخٍ لهبإسناده، فيجيء “سارق الحديث” ويدعي أنه سمع هذا الحديث أيضاً من ذلك الشيخ بذلك الإسناد!
أو يجد “سارق الحديث” كتاباً يُباع في السوق، فيشتريه، ويزعم أنه قرأ الكتاب على صاحبه أو أنه أجازه به، ويبدأ التحديث منه، أو يركب لحديثٍ ما إسناداً ليس له.
حكم سرقة الحديث:
ومن سرق الحديث عالماً غير مخطئ فهو مرتكب لكبيرة؛ لأنه كذب على النبي ح، وقال النبي ح: (مَن كذبَ عليَّ متعمِّدًا فليتبَوَّأ مقعدَهُ منَ النَّارِ)، ولأنه يدخل في حديث: (الـمُتشبِّعُ بما لم يُعطَهُ، كلابِسِ ثوبَيْ زُورٍ).
1
وسرقة الحديث قدح شديد في العدالة، يسقط الاعتداد بجميع رواية الموصوف بذلك.
سُرَّاق الحديث:
واشتهر جملة من الرواة بأنهم كانوا يسرقون الحديث، ومنهم مَن ثبتت عليه هذه التهمة، ومنهم مَن لم تثبت عليه، ومن أمثلة من ثبت عليه ذلك:
ومن نماذج السرقة:
–ما جاء في ترجمة أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي، في “الكامل” لابن عدي، قال ابن عدي: حدَّث عن الثقات بالبواطيل، وَكان يَسْرِقُ الحديث.
2
حَدَّثَنَا مُحَمد بن عبدة، حَدَّثَنا أحمد بن معاوية الباهلي، حَدَّثَنا ابن عياش، عن صفوان بن عَمْرو عن عَبد الرحمن بن جُبَير بن نفير عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عَبدالله بنعَمْرو، قَال: قَال رسول الله ح: (إِنَّ الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين).
– معاوية بن يحيى الصدفي أبو روح الدمشقي، أخرج حديثه الترمذي وابن ماجه، قال عنه الساجي: ضعيف الحديث جدا،وكان اشترى كتابا للزهري من السوق فروى عن الزهري!
وسائل كشف سارق الحديث:
3
قال الشيخ عبد الله الجديع: “وللحافظ أبي أحمد بن عدي توسع في الجرح بهذه التهمة، فربما جرح بها الراوي الضعيف أو المجهول، يروي حديثاً عن شيخ، وقد عُرِفَ ذلك الحديث عن ذلك الشيخ من رواية غير هذا الضعيف أو المجهول، فيصِفُ هذا بأنه سرق الحديث ممن حدث به عن ذلك الشيخ؛ لأن هذا المجروح لم يعرف بذلك الحديث أو بذلك الشيخ“.
الباعث على سرقة الحديث:
1- الإيهام بكثرة الشيوخ.
2-حب علو الإسناد.
3-ضعف الهمة في الرحلة في طلب العلم، فيسرق مجهود غيره.
4-حب التصدر وتكثير طلبة الحديث حوله، رغبة منهم بمروياته.
الفرق بين التدليس وسرقة الحديث:
الفرق بين السرقة والتدليس واضح؛ فإن المدلس لا يصرح بالسماع، بل يأتي بصيغة محتملة، بخلاف السارق؛ فإنه يصرح بالسماع ويكذب في ذلك.
قال المعلمي: “[مَن] يأخذ أحاديث الناس فيرويها عن شيوخهم، فإن كان يصرح في ذلك بالسماع فهذا هو المعروف بسرقة الحديث، وهو كذاب، وإلا فهو تدليس“.
عن حسين بن إدريس، قال: سألت عثمان بن أبي شيبة، عن أبي هشام الرفاعي، فقال: لا تخبر هؤلاء، إنه يسرق حديث غيره، فيرويه، قلت: أعلى وجه التدليس، أو على وجه الكذب؟ فقال: كيف يكون تدليساً، وهو يقول: حدثنا؟!
كتبه: نواف عباس المناور